إلــى إنســـان

موضوع: إلــى إنســـان السبت 27 مارس 2010, 2:56 pm

كن ابن هذه الأرض وحفيد تلك السماء، جذر الماضي وجذع الحاضر وأغصان
المستقبل، ولا تكن ممن يتغنى ويتفاخر بالتاريخ وأمجادِ الماضي أمام كل
سائح وغاد ورائح، دُونَ الاستفادةِ من تجارُبهِ أو من علومهِ الموروثة،
كأنّ سرجون و حمورابي ، أو آباءَ عُصورٍ أخرى مثلَ الكندي وابنِ الهيثم
وابنِ سينا وابنِ خلدون والفارابي والخوارزمي وابنِ النّفيسِ وابنِ رشد
وابنِ الطّفيل وغيرهم كانوا بنظرِكَ طفرَة ، وبما أنّ العِلمَ لا يؤمن
بالطّفرةِ فأنتَ غيرُ معنيٍّ بإرثهِم الحَضاري ، وتكتفي بالتّغنّي بتلكَ
الحقبةِ من التّاريخِ ، لأنّكَ تعجز عن تجديدهم فيك كأنك ترفضُ بل غيرَ
قادر ٍعلى مواكبةِ التطوّرِ والحداثةِ مع حمل الماضي البعيد إلى أبعد آفاق
المستقبل، فلو أنّ أجدادك الذين لا تمثلهم لم يترِكوا للبشريّةِ تلكَ
الأسسِ والرّكائزِ والقواعدِ من العلوم ، ما كانت الحضارة لتخطو خطوة
للأمام، ولو أنك استحضرتهم فيك، كُنتَ لِتُغنينا وتُغنِي مكتباتِنا
بعلومِكَ وأسواقِنا بابتكاراتِكَ المتجدّدة، لكنني لا ألومك وحدك،
فللأوطان غربتها، وللواقع حدوده، وللظرف أحكامه، لكن، أليس فيك حتى جذوة
الأمل!!!!

هل تستطيع غدا أن تبدع؟؟

فأنت لا تُبدع الآن حتّى بالتّقليد مع اعترافي بإبداعكَ بالكثيرِ من
العلومِ والتي تشكّلُ فيها سابقةً تستحقُّ الدّراسة:

عِلمُ حكّ العينِ من داخلِ الأنفِ وتوابعِهِ من التّفِ والنّفِ بكافّةِ
الأماكنِ وبأعلى الأصوات. عِلمُ المناقشةِ بالصّوتِ العالي والمُرتفعِ
حدَّ الصّراخِ متضمّناً مقاطعةَ حديثِ الغيرِ.

عِلمُ مناولةِ القطعِ النقديّةِ للشّخصِ الجالس أمامكَ بسيّاراتِ الخدمةِ
لتوصيلها للسّائقِ و الاكتفاءِ باللمسِ أو الإيماء دون استئذان أو شكر.
عِلمُ استعمالِ زمّور السيّارةِ في كلّ الأوقاتِ وكافةِ المُناسباتِ وحتّى
للتّحيّةِ أو للشّتم.

عِلمُ المساهمةِ الفعّالةِ في التلوّثِ البصريّ والسّمعيّ أو تلوّثِ
الهواءِ ، فلم يعد الشّخصُ يميّزُ بينَ الضّبابِ و بينَ الدّخانِ فوقَ
المدينة ، أو بينَ ما تُصدرُهُ عوادمُ بعض السّياراتِ وبينَ القطارِ
البخاريّ ، و تحتَ أنظارِ عازفِ القانونِ و قانونه.

عِلمُ إزعاجِ الجيرانِ بالصّوتِ العالي وبالأغاني وعلى مدارِ السّاعة.

عِلمُ الزّياراتِ والمواعيدِ ، فإمّا أن تأتي بدونِ موعدٍ مسبقٍ ، أو
يكونُ أدقّ تحديدٍ لتوقيتِ موعدك }بُكرة ، أو بدقّة أكثر بُكرة بعد الظّهر
أو بالليل {وكأنّكَ تأتي من كوكبٍ آخر. عِلمُ الفهم العكسي للأمور ، فلا
يكفيك عدم فهمك لطلب الآخرين منك ، بل تفهم العكس ، مبرراً بقولك "فكّرت
العكس " وهي من المرّات القليلة التي تُفكّر فيها.

عِلمُ نقلِ الأحاديثِ والشاّئعاتِ وابتكارِها والتدخّلِ بخصوصيّاتِ الآخرين.

عِلمُ رميِ الأوساخِ والمخلّفاتِ وأعقابِ السجائرِ على الأرصفةِ
وبالطّرقاتِ والحدائقِ و بكافّةِ الأماكنِ العامّةِ . عِلمُ الثّلاث لغاتٍ
بثلاثِ ثوانٍ ،الإنكليزيّة والعربيّة والفرنسيّة ، لإلقاءِ السّلامِ
والتّحيّةِ}:هاي..كيفك...سافا{. عِلمُ تواقيعِ المعاملاتِ الرّوتيني من
الدوّائرِ المتناثرةِ واستقدامِ الطّوابعِ من أماكنٍ محايدةٍ للدّوائرِ
الطّالبة.

عِلمُ دفعِ الحدّ الأدنى الدّائمِ لمُقدّمي الأعمالِ والمشروعاتِ بدلاً من
دفعِ القيمةِ المنطقيّةِ للأمانةِ و للتّشجيع عِلمُ وضعِ الأحذيةِ في
بيوتٍ ملمّعةٍ من الزّجاجِ ، وبيعِ المأكولاتِ مكشوفةً على الأرصفة. عِلمُ
ما بعدَ الحداثةِ للرياضيّات ، وتأكيدِ إصابةِ الاستنتاج الصّوري بالعُقم
مع عدمِ إمكانيّةِ الشّفاء ، وإن كانَ } دواءُ العُقمِ حليبَ التّيسِ إن
وُجد { فبالرّغمِ من كلّ المحاولاتِ الصّحيحةِ تبقَى الإمكانيّات دائماً
أقلّ من الاحتياجات و يبقَى المصروفُ دائماً أكبرَ من المدخول وهذا برهانٌ
واضحٌ على منطقِ ديكارت وإن أصبحَ للعِلمِ رأيٌ آخرَ بالعُقم ، مع كاملِ
التّقديرِ والاعتذارِ من } لقمان الحكيم {

عِلمُ التّسعيرةِ الوهميّةِ لكافّةِ السّلعِ ولجميعِ الخدمات ، فهي
مُرتبطةٌ صعوداً أو نزولاً بهندامِ الزّبونِ وقيافتهِ وشكلهِ و سنّهِ
وجنسهِ ولهجتهِ وليسَ بما يكفي للشيء من ربح.

عِلمُ رميِ أكياسَ القمامةِ من الشّرفاتِ أو وضعِها بجانبِ الحاوياتِ المخصصةِ لها .

عِلمُ المطبّاتِ الطّرقيةِ و الإشاراتِ التي لا يرتقي معظمُ سائقينا
لمستوى الالتزامِ بالسّرعةِ وقواعدِ المرورِ بدونِها وحتّى بها ،أمّا
أنفاقُ و جسور المشاةِ فللزّينة

عِلمُ الحفريّاتِ بالطّرقاتِ والأرصفةِ و عدمِ التّنسيقِ ، فلخُطوط
الهاتفِ أو الماءِ أو الكهرباءِ أو الصّرفِ الصّحي أوقاتٌ متباينةٌ للحفرِ
وللتّمديدِ ، مُستفيدينَ من المقولةِ الخاطئةِ عن اللبنِ والسّمكِ ، أما
ما هو أهمُّ من اللبنِ ومن السّمكِ فهو بقاءُ الحفريّاتِ طويلاً بدونِ
لوحاتٍ فسفوريةٍ لتدلّ على وجودها ، علماً أنّ التّحريمَ الدّولي كانَ قد
طالَ الأسلحةَ الفسفوريةَ لا اللوحاتِ والشّاخصاتِ الفسفورية

عِلمُ إلغاءِ الآخرَ وصولاً إلى أصغرِ تفاصيلِهِ و بكاملِ أجزائهِ ،
فحقوقُ النّشرِ محفوظةٌ للأجيالِ القادمة . عِلمُ خرقِ القواعدِ
والقوانينِ الواجب احترامها والتّمسّكِ بالعاداتِ والتّقاليدِ الواجب
خَرقها وتنسيقها

علم إجبار الآخرين على خرق القوانين لمحاسبتهم وسرقتهم ، أوإجبارهم على
خرق النائم منها بمجلدات مغبرة مهترئة وزرع الحياد فيهم لخوفهم من
مخالفتهم قوانين لوكانت موجودة لما خرقها أحد ، واختيار الوقت المناسب
لنفض الغبار عنها لمحاسبتهم لاحقا .

فهل تعتقد أنك لا تزال إنسانا..أيها الإنسان.