محمود هويدى Admin
الجنس : الابراج : عدد المساهمات : 615 نقاط : 2024 السٌّمعَة : -1 تاريخ الميلاد : 11/03/1963 تاريخ التسجيل : 21/02/2010 العمر : 61
| موضوع: الْعَصَافِيرُ تُحَلِّقُ دَائِمًا فَوْقَ حُقُولِ الْقَمْحِ - قصة قصيرة الخميس 18 مارس 2010, 12:54 am | |
| الْعَصَافِيرُ تُحَلِّقُ دَائِمًا فَوْقَ حُقُولِ الْقَمْحِ ـــــــ قصة قصيرة من مجموعة (أَمِيرَةٌ مِنْ كَفْرِ خَضْرٍ) للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج ـــــــــــــــــــــــ لَمْ يَكُنْ يَظُنُّ أَنَّ الْعَصَافِيرَ الْمُحَلِّقَةَ بَعِيدًا وَرَاءَ السَّرَابِ يُمْكِنُ أَنْ تَبْتَلِعَ حَبَّاتِ الْقَمْحِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ السَّرِيعِ ، وَتَعْلَقَ أَجْنِحَتُهَا الرَّقِيقَةُ ، وَتَسْقُطُ فِي الْفِخَاخِ الْمَنْصُوبَةِ وَرَاءَ أَشْجَارِ الْفَرَاوِلَةِ 0
عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ رَآهَا تَمُرُّ مُسْرِعَةً بِاتِّجَاهِ الْمِينَاءِ الْقَدِيمِ بَحْثًا عَنْ رَصِيفٍ آمِنٍ تَهْرَبُ إِلِيهِ مِنْ زِحَامِ السَّيَّارَاتِ الْمُتَسَارِعَةِ ، وَأَكْتَافِ الْمَارَّةِ الْمُصَابِينَ بِنَوْبَاتِ سُعَارٍ حَادَّةٍ 0
الْمَسَافَاتُ تَزْدَادُ بَيْنَهُمَا ، وَيَكَادُ يَفْقِدُ خُطُوَاتِهَا كُلَّمَا عَبَرَتْ مِنْ رَصِيفٍ إِلَى رَصِيفٍ ، وَازْدَادَ الزِّحَامُ 0
الْمَلامِحُ تَتَشَابَهُ عِنْدَمَا تَتَقَارَبُ الْوُجُوهُ ، وَتَتَلاصَقُ الأَقْدَامُ ، لَكِنَّ مَلامِحَهَا تَأْبَى أَنْ تَفِرَّ مِنْ ذَاكِرَتِهِ الْمُتْعَبَةِ ، وَتَسْتَعْصِي عَلَى أَنْ تَذُوبَ بَيْنَ الْوُجُوهِ 000
فِي إِصْرَارٍ ـ يُسْرِعُ مُتَنَقِّلاً وَرَاءَهَا مِنْ شَارِعٍ إِلَى شَارِعٍ ، وَمِنْ حَارَةٍ إِلَى زُقَاقٍ 000
يُتَابِعُ عَيْنَيْهَا الْعَسَلَيَّتَيْنِ فِي حَذَرٍ أَنْ تَضِيعَ رَائِحَةُ الْوَرْدِ الْبَلَدِيِّ الَّتِي تَدُلُّهُ عَلَى آثَارِ خُطُوَاتِهَا الْمُتَلاحِقَةِ 0
أَشَارَتْ بِيَدَيْهَا الرَّقِيقَتَيْنِ ـ فِي حَرَكَةٍ مُفَاجِئَةٍ ـ نَحْوَ السَّيَّارَةِ الَّتِي انْطَلَقَتْ مُسْرِعَةً تَشُقُّ الزِّحَامَ 0
هَرْوَلَ ـ فِي جُنُونٍ ـ مُحَاوِلاً اللِّحَاقَ بِهَا دُونَ جَدْوَى 0
000000
000000
000000
أَلْقَى بِجَسَدِهِ الثَّقِيلِ فَوْقَ الْمِقْعَدِ ، مُتَابِعًا وُجُوهَ الْقَادِمِينَ ، لَعَلَّ وَجْهَهَا الْجَمِيلَ يَطُلُّ مِنْ وَرَاءِ أَشْجَارِ الْبُرْتُقَالِ الْمُتَرَامِيَةِ أَمَامَ عَيْنَيْهِ 0
تَمَاسَكَ بِحُلْمِ أَنْ يَرَاهَا ثَانِيَةً ، مُغَادِرًا إِلَى حَيِّ الْحُسَيْنِ 000
مُسْتَسْلِمًا لِمَشَاعِرِهِ النَّابِضَةِ بَيْنَ جَنْبَيْهِ ـ يَبْتَسِمُ لِطَيْفِهَا الشَّقِيِّ فَوْقَ رَأْسِهِ ، كَشَجَرَةِ تُوتٍ تَتَمَدَّدُ وَارِفَةً تَمْنَحُ ثِمَارَهَا الشَّهِيَّةَ لأَطْفَالِ الْحَارَةِ 0
000000
000000
000000
عِشْرُونَ عَامًا مَضَتْ ، وَهُوَ يُعَاوِدُ الْجُلُوسَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْمِينَاءِ الْقَدِيمِ ، مُتَرَقِّبًا وَجْهَهَا الْبَرِيءَ كِي يَبُوحَ بِسِرِّهِ الْحَزِينِ 0
عِشْرُونَ عَامًا مَضَتْ ، وَهُوَ مُمْسِكٌ بِبَقَايَا رُوحِهِ كَصَغِيرٍ يُطْلِقُ الْخَيْطَ عَلَى شَاطِئِ بَحْرٍ لِطَائِرَتِهِ الْمُرَفْرِفَةِ ، ثُمَّ يُمْسِكُ بِهِ كِي تَظَلَّ مُعَانِقَةً خُيُوطَ الشَّفَقِ الْحَمْرَاءَ عِنْدَ الْغُرُوبِ 0
000000
000000
000000
الطَّقْسُ حَارٌّ هَذَا الصَّبَاحَ ، وَهُوَ جَالِسٌ يُرَاقِبُ سِرْبَ يَمَامٍ مَرَّ فَوْقَ أَشْجَارِ الْبُرْتُقَالِ 000
فِي لَحْظَةٍ مُفَاجِئَةٍ ـ طَلَّتْ بِوَجْهِهَا مُتَخَطِّيَةً زِحَامَ الرَّصِيفِ إِلَى جَادَّةِ الطَّرِيقِ 000
لَمْ يُصَدِّقْ عَيْنَيْهِ 000
كَانَتْ مَلامِحُهَا أَكْثَرَ إِشْرَاقًا ، وَزَادَتْهَا السُّنُونَ الطَّوِيلَةُ بَهَاءً وَأُنُوثَةً كَحَبَّةِ تُفَّاحٍ طَابَتْ فَوْقَ فَرْعِهِا ، فَتَدَلَّتْ شَهِيَّةً لِلْقَاطِفِينَ 0
هَبَّ وَاقِفًا ـ فِي ارْتِبَاكٍ ـ كَشُعَاعِ نَجْمٍ فِي غَسَقِ الدُّجَى 0
أَوْقَفَهَا ـ فِي اسْتِمَاتَةٍ ـ مُصِرًّا عَلَى أَنْ يَبُوحَ لِلرِّيَاحِ بِأَسْرَارِهِ 0
ـ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمَجْنُونُ ؟
تَجَاهَلَ نَظَرَاتِهَا الْحَائِرَةَ ، وَأَدْهَشَهُ هَذَا الْبَرِيقُ الَّذِي نَضَجَ بَيْنَ عَيْنَيْهَا كَسُبَاطَةِ بَلَحٍ زَاهِيَةٍ فَوْقَ صَدْرِ نَخْلَةٍ 0
ـ مَاذَا تُرِيدُ يَا مَجْنُونُ ؟
ـ اهْدَئِي مِنْ فَضْلِكِ !
بَعْدَ مُحَاوَلاتٍ يَائِسَةٍ لِفَهْمِ جُنُونِهِ ـ الْتَقَيَا ـ فِي رِفْقٍ ـ لا يَعْرِفَانِ مَا جَمَّعَ بَيْنَهُمَا ، وَوَحَّدَ الأَوْجَاعَ 000
تَهَادَتْ أُغْنِيَةٌ حَزِينَةٌ تَأْتِي كَالْبُرْكَانِ مِنْ أَعْمَاقِ الأَمْوَاجِ 000
كَأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا كَانَ عُمْرًا طَوِيلاً ـ انْطَلَقَا بَعِيدًا عَنْ زِحَامِ الْمَدِينَةِ 0
لَيْلاً إِلَى أَنْ تُشْرِقَ الشَّمْسُ ـ يَشُقَّانِ ـ فِي ارْتِيَاحٍ ـ الطَّرِيقَ إِلَى الْمِينَاءِ الْقَدِيمِ حَيْثُ تَعْبُرُ السَّفَائِنُ فِي حَنِينٍ دَائِمٍ لِلشُّطْآنِ 0
عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ ـ مَلأَتْ ضُلُوعَهُ رَائِحَةُ الْوَرْدِ الْبَلَدِيِّ 000
تَرَنَّحَتْ السَّفِينَةُ مُتْعَبَةً تَتَخَفَّى وَرَاءَ أَوْجَاعِهِا 000
امْتَزَجَا فِي لَحَظَاتٍ مَجْنُونَةٍ 000
يُرَاقِبَانِ ـ فِي أَلَقٍ ـ الْقَارِبَ الْمَطَّاطِيَّ عَلَى مَهَلٍ يَرْسُو فِي الْمِينَاءِ بَعْدَ أَنْ أَزْبَدَ الْبَحْرُ ، وَهَدَأَتْ أَمْوَاجُ الشَّاطِئِ 0
ـــــــــــــــــــــــ قصة قصيرة من مجموعة (أَمِيرَةٌ مِنْ كَفْرِ خَضْرٍ) للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج
| |
|