محمود هويدى Admin
الجنس : الابراج : عدد المساهمات : 615 نقاط : 2024 السٌّمعَة : -1 تاريخ الميلاد : 11/03/1963 تاريخ التسجيل : 21/02/2010 العمر : 61
| موضوع: مَا زَالَتْ سَوَاقِي الرُّوحِ تُعَاوِدُ أَشْوَاقَهَا الرِّيَاحُ - قصة قصيرة الخميس 18 مارس 2010, 12:48 am | |
| مَا زَالَتْ سَوَاقِي الرُّوحِ تُعَاوِدُ أَشْوَاقَهَا الرِّيَاحُ ـــــــ قصة قصيرة من مجموعة (أَمِيرَةٌ مِنْ كَفْرِ خَضْرٍ) للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج ـــــــــــــــــــــ اعْتَادَ أَنْ يُطْلِقَ سَاقَيْهِ بَيْنَ الْحُقُولِ الْمُمْتَدَّةِ بَيْنَ شَاطِئِ الْمَلاحَةِ الْمُحِيطِ بِالْقَرْيَةِ وَشَرِيطِ السِّكَّةِ الْحَدِيدِ كُلَّمَا تَذَكَّرَ عَيْنَيْهَا الْعَسَلِيَّتَيْنِ تَلْمَعَانِ كَبَرِيقٍ خَاطِفٍ فَوْقَ اللَّوْحَةِ .
لَيْسَ يَدْرِي لِمَاذَا كَانَ يَسْتَسْلِمُ لِلسَّيْرِ نَحْوَ كَفْرِ خَضْرٍ كُلَّمَا ازْدَادَ الْحَنِينُ ، وَآلَمَهُ الدُّمَّلُ الْقَدِيمُ الْغَائِرُ بَيْنَ الضُّلُوعِ ، وَدَقَّ الْقَلْبُ الْكَسِيرُ كَطَائِرِ الطَّنَّانِ يَتَهَاوَى فَاقِدًا السَّيْطَرَةَ عَلَى جَنَاحَيْهِ مُخْرِجًا أَنْفَاسَهُ الأَخِيرَةَ .
بَعْدَ عُبُورِ الْجِسْرِ الْخَشَبِيِّ يَتَخَطَّى قَرْيَتَهُ ، مُنْحَنِيًا لِلْيَمِينِ لِيَتَوَسَّطَ الْمَمَرَّ الْفَاصِلَ بَيْنَ الشَّاطِئِ وَحُقُولِ الذُّرَةِ ...
قَدِيمًا كَانَتْ تَأْخُذُهُ حُقُولُ الْقُطْنِ الْمُتَرَامِيَةُ خَلْفَ الْجِسْرِ ، وَتُدْهِشُهُ اللَّوْزَاتُ الْبَيْضَاءُ ، تَتَفَتَّحُ فَوْقَ أَعْوَادِهَا كَأَثْدَاءِ الصَّبَايَا تَنْبُتُ فِي الصُّدُورِ الْمُرْتَعِشَةِ كَحُرُوفٍ أُولَى يَتَهَجَّاهَا رَضِيعٌ .
فِي مَوْسِمِ الدُّودَةِ يَتَجَمَّعُ أَنْفَارُ الْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ فِي خُطُوطٍ طُولِيَّةٍ تَتَوَازَى ، يُتَابِعُ خُطُوَاتِهِمُ الثَّكْلَى خَوْلِيٌّ يَحْمِلُ خَيْزُرَانًا غَلِيظَةً يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ، وَيَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِهِ .
يَخْتَلِسُونَ النَّظَرَاتِ ، مُلْتَقِطِينَ اللُّطْعَةَ تِلْوَ اللُّطْعَةِ فِي مِخْلاةٍ مُمْتَلِئَةٍ ...
تَبْتَسِمُ زَهْرَةُ لَوْزٍ ...
تَهْتَزُّ الأَوْرَاقُ نَاضِرَةً ، وَتَنْسَابُ الْمَسَاقِي فِي بَهْجَةٍ إِلَى رَوَاتِبِهَا الظَّمْأَى ...
يَسْقُطُ طِفْلٌ فِي مَجْرَى قَنَاةٍ ...
تَحِنُّ الْحُقُولُ إِلَى ظِلالِهَا الْقَدِيمَةِ ...
يَفْتَحُونَ صَهَارِيجَ الرُّوحِ ....
تَتَدَفَّقُ سَاكِبَةً حَنِينَهَا لِحُقُولِ الْفُولِ الْخَضْرَاءِ ...
يَحُطُّ فَوْقَهَا ـ فِي شَقَاوَةٍ ـ أَبُو قِرْدَانٍ .
...........
..........
.............
عِنْدَ الْحَصَادِ ، تَشْتَعِلُ الْحُقُولُ بِابْتِسَامَاتِ الصَّبَايَا الْمَاكِرَاتِ عِنْدَمَا يَسْقُطُ عُصْفُورٌ فِي مَصْيَدَةِ الْفِئْرَانِ ....
يَضْرِبُ بِجَنَاحَيْهِ ـ فِي ارْتِبَاكٍ ـ مُحَاوِلاً الْخُرُوجَ مِنَ الْفَخِّ الْمُحْكَمِ ، لَكِنَّهُ يَسْقُطُ ثَانِيَةً لا مَحَالَةَ فَوْقَ لَوْزَةٍ نَاعِسَةٍ.
يَمْتَزِجُ الْعَرَقُ الْمِسْكِيُّ تَحْتَ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ الْحَارِقَةِ ظُهْرًا بِضَحِكَاتٍ تَعْلُو صَافِيَةً ، تَشُقُّ فَدَادِينَ الْقَرْيَةِ .
...............
..............
...........
الْحَيَاةُ بَسِيطَةٌ ........
وَالنَّاسُ طَيِّبُونَ ......
وَالأَرْوَاحُ كَانَتْ تَتَلاقَى عَلَى كِسْرَةِ خُبْزٍ وَعُودِ جَرْجِيرٍ أَخْضَرَ .
..........
...........
...........
أَرْبَعُونَ عَامًا مِنْ عُمْرِهِ الْقَصِيرِ فَرَّتْ مُسْرِعَةً ، وَهُوَ لا يَمَلُّ الْمَسِيرَ سَامِعًا هَمْسَهَا آتِيًا مِنْ وَرَاءِ حُقُولِ الزَّيْتُونِ ، مُؤْمِنًا أَنَّهَا سَتَفِي يَوْمًا بِالْمَوْعِدِ ، وَتَتَجَلَّى فِي كَمَالِهَا ، وَتَأْخُذُهُ بَعِيدًا نَحْوَ حُلْمِهِ السَّحِيقِ ...... ..........
..........
.........
فِي الطَّرِيقِ إِلَى كَفْرِ خَضْرٍ تَتَمَدَّدُ سَاقِيَةٌ حَزِينَةٌ تُرَجِّعُ أَشْوَاقَهَا فِي حُنُوٍّ دَافِئٍ .... تَنْقُرُ ـ مِنْ بَقَايَا الْقَطَرَاتِ الْمُتَدَفِّقَةِ مِنْ جَوَانِبِهَا ـ عَصَافِيرُ الرُّوحِ سَاعَةَ الْغُرُوبِ . ........ ...... عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ رَآهَا جَالِسَةً كَحُورِيَّةٍ تُلْقِي بِالشُّصِّ فِي أَعْمَاقِ الشَّاطِئِ فِي انْتِظَارِ مُرُورِ سَمَكَةٍ تَبْتَلِعُ حَبَّاتِ الْقَمْحِ الْمَبْلُولَةَ .
لِلْوَهْلَةِ الأُولَى قَفَزَتْ حِكَايَاتُ جَدَّتِهِ اللَّيْلِيَّةُ عَنْ عَرُوسِ الْبَحْرِ ، وَالنَّدَّاهَةِ .....
انْتَابَتْهُ قُشَعْرِيرَةٌ تَبْلَعُ شَهِيقَهُ فَلا يَكَادُ يُخْرِجُ الزَّفِيرَ 000 أَوْشَكَ أَنْ يَفْقِدَ أَنْفَاسَهُ الأَخِيرَةَ .
ـ رُبَّمَا كَانَتْ عَرُوسَ الْبَحْرِ تَتَخَفَّى فِي ثِيَابِ صَبِيَّةٍ تَسْتَدْرِجُنِي ، ثُمَّ تَخْطَفُنِي لِلأَبَدِ بَيْنَ عَيْنَيْهَا ، وَلا أَسْتَطِيعُ مِنَ النِّيلِ خُرُوجًا ....
ـ تَقَدَّمْ يَا رَجُلُ لا تَخَفْ !
ـ لَكِنَّهَا وَحِيدَةٌ فِي هَذَا اللَّيلِ الْحَزِينِ حَيْثُ تَخْرُجُ الْجِنِّيَّاتُ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ تَخْتَارُ مَنْ تَشَاءُ ، وَتَذْهَبُ بِهِ إِلَى جَزَائِرِ الْمُحِيطِ حَيْثُ لا يَعُودُ إِلَى الدِّيَارِ .....
ـ التَّرَدُّدُ يَا عَزِيزِي أَيْبَكُ !
.......... ...........
أَمْسَكَ بِزِمَامِ رُوحِهِ وَاقْتَرَبَ فِي رِفْقٍ وَنَظَرَ إِلَى الْغَمَّازَاتِ تَتَلأْلأُ فَوْقَ صَفْحَةِ الْمِيَاهِ 0
ـ شُدِّي الآنَ .....
لَقَدْ أَمْسَكْتِ بِهَا ....
أَحْسَنْتِ ....
الْتَفَتَتْ كَشَجَرَةِ نَبْقٍ طَالِعَةٍ بَيْنَ حُقُولِ الْخَسِّ ...
انْزَلَقَتْ قَدَمَاهُ إِلَى أَمْوَاهِ الْبَحْرِ ...
تَمَاسَكَ فِي صَخْرَةٍ نَاعِسَةٍ عَلَى الشَّطِّ ...
مَدَّتْ يَدَهَا ...
أَمْسَكَهَا فِي لُطْفٍ ...
خَرَجَ إِلَى الشَّاطِئِ ، لَكِنَّ الشُّصَّ تَعَلَّقَ فَي الأَهْدَابِ....
ـ هَلْ أَنْتَ بِخَيْرٍ ؟
ارْتَفَعَتْ أَمْوَاجُ الْبَحْرِ كَالطُّوفَانِ ....
انْسَابَتْ أَسْئِلَةٌ حَائِرَةٌ لا يَعْرِفُ كَيْفَ تَكُونُ إِجَابَتُهَا ...
ـ هِيْهِ أَيْنَ أَنْتَ ؟
ـ مُسْتَحِيلٌ أَنْ تَتَحَقَّقَ الْمُعْجِزَةُ ، وَتَكُونَ نُبُوءَاتِي الْقَدِيمَةُ صَادِقَةً ....
ـ مَاذَا تَقُولُ ؟
أَخْرَجَ اللَّوْحَةَ مِنْ جَيْبِهِ ....
تَأَمَّلَ مَلامِحَ وَجْهِهَا ...
عَيْنَيْهَا الْعَسَلِيَّتَيْنِ كَفَرَاشَتَيْنِ تُحَلِّقَانِ فَوْقَ الْمُحِيطِ ...
شَفَتَيْهَا النَّارِيَّتَيْنِ كَحَبَّةِ كَرْزٍ ذَابَتْ فِي عَسَلٍ مُصَفَّىً ...
وَجْنَتَيْهَا الْبَاسِمَتَيْنِ كَوَرْدَتَيْنِ نَابِتَتَيْنِ فِي الضُّلُوعِ ..
ـ أَنْتِ هِيَ ، بَلْ هِيَ أَنْتِ ...
أَوْشَكَ أَنْ يَفْقِدَ عَقْلَهُ ...
يَلُفُّ حَوْلَهَا مُتَأَمِّلاً جَسَدَهَا الرَّقِيقَ كَفَرْعِ بُرْتُقَالٍ ...
فِي حَذَرٍ يُلامِسُ رُوحَهَا ...
يَتَوَجَّعُ ...
تَتَوَجَّعُ ...
يَرْتَفِعَانِ ...
تَتَوَهَّجُ كَنَجْمَةٍ لامِعَةٍ فِي لَيْلَةِ صَيْفٍ صَافِيَةٍ ...
يَتَوَحَدَانِ كَلَوْنَيْنِ امْتَزَجَا فِي لَوْحَةٍ سُرْيَالِيَّةٍ ...
يَمْتَزِجَانِ ...
فِي الطَّرِيقِ إِلَى كَفْرِ خَضْرٍ يُرَاقِبَانِ ـ فِي ارْتَيَاحٍ ـ دُخُولَ الْقِطَارِ مَحَطَّةَ طَنْطَا .
ـــــــــــــــــــــــ قصة قصيرة من مجموعة (أَمِيرَةٌ مِنْ كَفْرِ خَضْرٍ) للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج
| |
|